في ظل التحولات المتسارعة في عالم الأعمال والتسويق الرقمي لم يعد التسويق التقليدي وحده كافيًا لجذب العملاء والاحتفاظ بهم بل أصبح المستهلك أكثر وعيًا وأكثر انتقائية في التفاعل مع العلامات التجارية.
ومن هنا برز التسويق بالمحتوى كأداة استراتيجية فعالة لتعزيز العلاقة مع العملاء وزيادة الولاء وبالتالي رفع المبيعات بشكل مستدام.
التسويق بالمحتوى (Content Marketing) هو عملية إنشاء وتوزيع محتوى ذي قيمة وملائم ومتسق بهدف جذب جمهور مستهدف والاحتفاظ به وتحفيزه في النهاية على اتخاذ إجراء مربح مثل الشراء أو التوصية بالعلامة التجارية.
يأخذ هذا المحتوى أشكالًا متعددة مثل المقالات أو الفيديوهات أو الإنفوجرافيك أو البودكاست أو النشرات البريدية وغيرها، ولا يقتصر هدفه على البيع المباشر بل يركز على بناء الثقة وتقديم الفائدة وتعزيز العلاقة طويلة الأمد مع العميل.
عندما تقدم الشركات محتوى مفيدًا وجذابًا يشعر العملاء بأنها تهتم بمصلحتهم الحقيقية وليس فقط بجني الأرباح، فعلى سبيل المثال عندما تنشر شركة متخصصة في مستحضرات العناية بالبشرة مقالات عن كيفية العناية بالبشرة في الصيف فإنها تبني علاقة قائمة على الثقة ما يعزز ارتباط العميل بها.
يخلق التسويق بالمحتوى جسرًا للتواصل المستمر بين الشركة والعملاء فالمحتوى المنتظم مثل المدونات أو الفيديوهات الأسبوعية أو النشرات الإخبارية يُبقي العملاء على تواصل دائم مع العلامة التجارية مما يساهم في ترسيخ العلامة التجارية في أذهانهم.
باستخدام أدوات تحليل البيانات يمكن للشركات تخصيص المحتوى بناءً على اهتمامات وسلوكيات المستخدمين، فعلى سبيل المثال إرسال مقالات أو عروض خاصة بناءً على تاريخ الشراء أو تصفح الموقع يعزز الشعور بأن الشركة تفهم احتياجات العميل وتلبيها مما يقوي ولاءه.
لا يقتصر التسويق بالمحتوى على الإرسال من طرف واحد بل يتيح للعميل التفاعل والمشاركة سواءً عبر التعليقات أو تقييم المنتجات أو المشاركة في استطلاعات الرأي، فإن هذه التفاعلات تخلق شعورًا بالانتماء وتدفع العميل للشعور بأنه جزء من قصة العلامة التجارية.
بالرغم من أن التسويق بالمحتوى لا يركز على البيع بشكل مباشر إلا أنه يُعد من أقوى الأدوات في التأثير على قرارات الشراء، إليك كيف يسهم في زيادة المبيعات:
عبر تقديم محتوى تثقيفي يمكن توضيح فوائد المنتجات أو الخدمات وتبديد مخاوف العملاء وتقديم حلول لمشاكلهم، وهذا النوع من المحتوى يهيئ العميل لاتخاذ قرار الشراء بثقة أكبر فعلى سبيل المثال يمكن لدليل شامل لاستخدام منتج معين أن يزيد من احتمالية شرائه.
عندما يتم تحسين المحتوى لمحركات البحث يظهر في نتائج البحث الأولى مما يجلب زيارات عضوية جديدة لموقع الشركة، وقد يتحول هؤلاء الزوار إلى عملاء محتملين خاصة إذا وجدوا محتوى قيمًا وموجهًا لاحتياجاتهم.
في كل مرحلة من مراحل "رحلة العميل" (الوعي والتفكير والقرار) يمكن تقديم نوع مختلف من المحتوى، فعلى سبيل المثال:
هذا الدعم في كل مرحلة يسهم في توجيه العميل نحو اتخاذ قرار الشراء بثقة.
عندما يكون المحتوى موجّهًا لما بعد البيع، مثل تقديم نصائح للاستخدام، أو محتوى تعليمي مستمر، فإن ذلك يزيد من احتمالية العودة للشراء، وبالتالي رفع قيمة العميل مدى الحياة. كما يمكن أن يؤدي ذلك إلى التوصية بالمنتج للأصدقاء والعائلة.
تُعد HubSpot من الشركات الرائدة في التسويق بالمحتوى حيث تعتمد على مدونة تعليمية تقدم محتوى غنيًا حول التسويق والمبيعات وخدمة العملاء، ويجذب هذا المحتوى المهتمين ويحولهم إلى عملاء فعليين عبر تقديم أدوات وخدمات متكاملة.
استخدمت Red Bull استراتيجية محتوى ترتكز على الإثارة والرياضات الخطرة حيث تنتج فيديوهات ومقالات ملهمة لجمهور معين، ولم تركز على المشروب نفسه بقدر ما ركزت على نمط الحياة مما خلق مجتمعًا قويًا من المعجبين والمستهلكين.
يُمثل التسويق بالمحتوى حجر الزاوية في بناء علاقات مستدامة مع العملاء فهو ليس مجرد وسيلة ترويجية بل أسلوب تواصل فعال يضع العميل في قلب الاهتمام، ومن خلال تقديم محتوى مفيد ومخصص وتفاعلي تستطيع الشركات أن تعزز ولاء العملاء وتدفعهم نحو الشراء والالتزام بالعلامة التجارية على المدى الطويل.
في النهاية فإن نجاح أي استراتيجية تسويق بالمحتوى يعتمد على فهم الجمهور المستهدف والإبداع في تقديم الرسائل والاتساق في التفاعل والقدرة على التطوير المستمر بناءً على التحليل والتغذية الراجعة.